وأتت خطوة الفيدرالي مفاجئة ومتوقعة في نفس الوقت، فهي مفاجئة لأن النسبة المنتظرة قبل اسبوع كانت 0.50%، ومتوقعة لأنه خلال الاسبوع الحالي بدا أن الأسواق تتحسب لرفع نسبته 0.75%.
تضخم سييء
رغم أن خطوة الفيدرالي محفوفة بمخاوف حقيقية من احتمالات الركود لاحقًا إلا أنها تحظى بتأييد أمريكي عام، فمع استمرار التضخم عند مستويات قياسية وبلوغه 8.6% مايو/أيار الماضي بدا للقائمين على البنك الفيدرالي الأمريكي أنهم بحاجة إلى المزيد من التشديد في السياسات النقدية للحد من التضخم بصورة أسرع بعد فشل رفعي الفائدة السابقين بنسبة 0.25% و0.5% على التوالي في تحقيق الهدف.
ولأن رفع الفيدرالي الأمريكي أتى موافقًا لتوقعات الأسواق فقد استقرت مؤشرات الأسهم الأمريكية في أعقاب الخطوة، لأن التحركات الهابطة للسوق الأيام الماضية، وخاصة يوم الاثنين كانت كبيرة للغاية.
والشاهد أن سوق الأسهم الأمريكية التي انخفضت بنسبة 20% تقريبا منذ يناير/كانون الثاني الماضي غالبًا ما ستتأثر بالسلب بسبب قرار الفيدرالي، فعلى الرغم من توقع 85% من المتعاملين في السوق الأمريكي لهذا القرار إلا أن تطبيق القرار فعليًا دائما ما يكون له آثاره، لأن رفع الفائدة يقترن بمخاوف الركود ويعطي بديلا مقبولا في السندات مقارنة بالأسهم.
فالأسواق تتصرف على مرحلتين الأولى هي "التحوط" للأزمة أو الصدمة، والثانية هي "امتصاص" الصدمة، وإذا كان "الدببة" مسيطرين بالفعل على السوق الأمريكية بالفعل قبل رفع الفائدة فإن القرار سيدعم مخاوف الركود ويقود السوق نحو المزيد من التراجع.
نمو متراجع وبطالة تزيد
أما نمو الاقتصاد الأمريكي فسيتراجع بشكل لافت، ويتوقع مسؤولون أن يتسبب رفع الفائدة في بلوغ نسبة النمو 1.7% لعام 2022 بينما كانت النسبة المتوقعة في مارس الماضي 2.8% وسط توقع المزيد من الانخفاض في النمو إذا أنهى الاقتصاد الأمريكي العام الحالي بمستوى فائدة فوق 3.4%.
ولذلك يتوقع كثيرون أن تزيد نسبة البطالة عن توقعات الفيدرالي عند 3.7% والتي كانت 3.6% في مايو/أيار الماضي، خاصة مع توقعات تراجع النمو وربما الركود في بدايات العام المقبل (تشير دراسات إلى احتمال بلوغ البطالة 4.2% إذا استمر اتجاه الرفع الحالي للفائدة مع احتمالية حدوث الركود في 2023).
ومستوى 3.4% لسعر الفائدة في نهاية العام ( حاليًا 1.5- 1.75%) هو المستوى المتوقع من جانب "جموع الأمريكيين" والذين يتم استطلاع آرائهم من خلال أساليب تراعي الوزن النسبي للقرار ومدى المعرفة بالاقتصاد، وأيضًا من جانب خبراء البنك الفيدرالي ولذلك كثيرًا ما تتوافق توقعاتهم مع ما يحدث على الأرض لاحقًا.
ولعل ما كشفه البنك الفيدرالي نفسه برفع توقعاته للتضخم عن عام 2022 بأكمله إلى 5.2% وذلك بدلًا من 4.3% قبل ذلك دليل على توقع البنك ألا تكون خطوته الأخيرة حاسمة في مواجهة التضخم، بما يثير المخاوف من زيادات لاحقة بنسب كبيرة (أكدها "باول نفسه بأن الزيادة القادمة ستكون نصف أو 0.75 في المئة).
الأداة النقدية والإصرار على 2%
وما يثير الدهشة –حتى الآن- هو اقتصار الخطوات الأمريكية على الأداة النقدية، على الرغم مما تشير إليه الدراسات من أن التعريفات التي تفرضها الإدارة الأمريكية على السلع الأجنبية –وأبرزها من الصين- تساهم بـ1.3-1.6% من التضخم الحالي.
والشاهد أن إصرار الفيدرالي الأمريكي على هدف 2% فقط كنسبة تضخم في المرحلة الحالية يبدو محل تساؤل، ففي ظل عوامل خارجية كثيرة، مثل الحرب الأوكرانية، وأزمة سلاسل التوريد، واختلالات هياكل توزيع الطاقة أوروبيا، وارتفاع أسعار الأغذية والمواد الخام عالميًأ فإن تحقيق هذا الهدف لن يتأتى في المستقبل القريب بحال.
ولذلك يتخوف كثيرون من أن البنك الفيدرالي قد يرفع الفائدة إلى مستويات أعلى مما يخطط حاليًا عند مستوى 3.4-3.5% في نهاية 2022، بما سينعكس على إبطاء أكبر اقتصاد في العالم وتاليًا على الاقتصاد العالمي.
العالم مهدد
وترى "كرستينا هوبر" الخبيرة في شركة "إينفسكو" أن العالم مهدد بشدة بالركود بسبب الاجراءات الأمريكية التي ستسحب الأموال من الكثير من الدول وتوجهها إلى الولايات المتحدة لتستفيد بأسعار الفائدة المرتفعة.
ولهذا السبب فإن الدولار الأمريكي فقد يبلغ قممًا جديدة في مواجهة العملات الأخرى مما سيجعل سوق العملات "ذا إتجاه واحد" بدرجة كبيرة في الفترة المقبلة، لا سيما مع توقعات استمرار رفع الفائدة مستقبلا، بل وإشارة "باول" لاحتمال رفع الفائدة ثلاثة أرباع نقطة مئوية الشهر المقبل أيضا.
وتضيف "هوبر" أن اضطرار الدول لرفع اسعار الفائدة لتتماشى مع تحرك المركزي الأمريكي من شأنه فرض حالة من الركود في بعض تلك الدول، بما يزيد احتمالات الركود العالمي بشكل واضح، ليبقى العالم مهددًا بالاستمرار في دفع فاتورة الخطط التوسعية في الإنفاق سواء بشيكات تحفيز الإنفاق للأفراد أو على البنية التحتية التي أقرتها إدارة "بايدن" خوفا من الركود في مرحلة فيروس كورونا.
المصادر: أرقام- سي.إن.بي.سي- رويترز- بلومبرج- واشنطن بوست